#1

عن المجانين الشجعان الذين نستحق أن نكونهم 

إنه خيطٌ رفيعٌ جداً ذاك الذي يربطنا باللحظات الاستثنائية التي تشبهنا، حين نرفع رؤوسنا إلى السماء و نواجه رغباتنا العميقة بشجاعة و نقرر أن نعيش كما نريد، و هذا الخيط على استعداد تام للانفلات و الذوبان بعد مدة من استسلامنا للتيار.

أنت تعلم في داخلك أنّ كلّ يومٍ يمرُّ عليك و أنت مثقلٌ بأولويات الآخرين و آرائهم هو مضيعةٌ غبيةٌ للوقت، هو قرار آخر سيّء يتكدس بجانب القرارات الأخرى التي اتخذتها لتكون الشخص الذي يوافق عليه الآخرون، و يفخر به الآخرون، و يأبه له الآخرون، كأنك تدور في دائرة مغلقة من جلد الذات، كأنك تمضي حياتك كطفلٍ معاقب بجانب الحائط، يقف مواجهاً للجدار، و يعطي ظهره للنافذة الكبيرة التي تحمل خلفها كل الأطفال السعداء في ساحة اللعب.

أنت معاقب و مسحوق، لأنك تعاقب نفسك بالدرجة الأولى وتظن أن أحداً ما سيأبه بك، و سيصنع من تضحياتك العلنية كتاباً يوزعه على الأصدقاء و الأهل و المعارف ليخبرهم كم أنت مستقيم و شهم و رائع و ملتزم بكل الأشياء التي قررها عنك المجتمع.

لا أحد سيأبه، و الأخطر أنك بعد مدة أيضاً لن تأبه.

الحياة يا عزيزي أقصر من ذلك بكثير.

الحياة أقصر من الوقت الذي تنفقه في التغلب على خجلك لتبدأ حواراً مع شخص يثير اهتمامك، الحياة أقصر بكثير من أن تنفقها في عملٍ لا يثير فضولك تجاه المزيد منه، و لا يرضي جوعك للدهشة، الحياة أقصر بكثير من الوقت الذي تقضيه في تملق السيئين و مصاحبة الأشخاص الملائمين لطبقتك.

أنت لا تريد هذا لنفسك، أنت في الحقيقة أفضل من ذلك بكثير، ما الذي يجعلك مخلصاً لهذا التبلّد الإنساني الذي يصنع منك نسخة رديئة من آخر لا يعجبك أصلاً! ما الذي يجعلك مخلصاً لتعاستك، ما الذي يجعلك مستسلماً لهذه الطريقة البطيئة و السخيفة للموت خِدْراً.

الحياة قصيرة جداً يا عزيزي.. و نحن لا نملك في النهايات إلا القصص السعيدة التي سنخبرها بفخر لأحفادنا عن المجانين الشجعان الذين كنّاهم في يومٍ ما.